فصل: فتح قزوين وزنجان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.فتح قزوين وزنجان:

799- حدثني عدة من أهل قزوين وبكر بن الهيثم، عن شيخ من أهل الرى، قالوا: وكان حصن قزوين يسمى بالفارسية كشوين، ومعناه الحد المنظور إليه، أي المحفوظ.
وبينه وبين الديلم جبل ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتلة من الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة، ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح.
وكانت دستبى مقسومة بين الرى وهمذان، فقسم يدعى الرازي وقسم يدعى الهمذانى.
فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى جرير بن عبد الله همذان، وولى البراء بن عازب قزوين، وأمره أن يسير إليها، فإن فتحها الله على يده غزا الديلم منها، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى.
فسار البراء ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر.
فقام على حصنها، وهو حصن بناه بعض الأعاجم على عيون سدها بجلود البقر والصوف، واتخذ عليها دكة، ثم أنشأ الحصن عليها.
فقاتلوه ثم طلبوا الأمان، فآمنهم على مثل ما أمن عليه حذيفة أهل نهاوند، وصالحهم على ذلك، وغلب على أراضي أبهر.
ثم غزا أهل حصن قزوين.
فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم فوعدوهم أن يفعلوا.
وحل البراء والمسلمون بعقوتهم، فخرجوا لقتالهم، والديلميون وقوف على الجبل لا يمدون إلى المسلمين يدا.
فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح.
فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر، فأنفوا من الجزية وأظهروا الإسلام.
فقيل إنهم نزلوا على مثل ما نزل عليه أساورة البصرة من الإسلام، على أن يكونوا مع من شاؤا.
فنزلوا الكوفة وحالفوا زهرة بن حوية، فسموا حمراء الديلم.
وقيل إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم، وصارت أرضوهم عشرية.
فرتب البراء معهم خمسمائة رجل من المسلمين معهم طليحة بن خويلد الأسدي وأقطعهم أرضين لا حق فيها لاحد.
قال بكر: وأنشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه، وكان مع البراء:
قد علم الديلم إذ تحارب ** حين أتى في جيشه ابن عازب

بأن ظن المشركين كاذب ** فكم قطعنا في دجى الغياهب

من جبل وعر ومن سباسب

وغزا الديلم حتى أدوا إليه الإتاوة. وغزا جيلان والببر والطيلسان. وفتح زنجان عنوة.
ولما ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الكوفة لعثمان بن عفان غزا الديلم مما يلي قزوين، وغزا أذربيجان، وغزا جيلان وموقان، والببر، والطيلسان، ثم انصرف.
وولى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية بعد الوليد، فغزا الديلم ومصر قزوين.
فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم.
800- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقى قال: ثنا خلف بن تميم قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن إسماعيل بن مرة الهمذانى قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم.
قال: وكنت في النخبة، فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم، ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف.
801- وحدثنا عبد الله بن صالح العجلي، عن ابن يمان، عن سفيان قال: أغزى علي رضي الله عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم، وعقد له على أربعة آلاف من المسلمين.
802- وحدثني بعض أهل قزوين قال: بقزوين مسجد الربيع بن خثيم معروف، وكانت فيه شجرة تتمسح بها العامة.
ويقال إنه غرس سواكه في الأرض فأورق حتى كانت الشجرة منه، فقطعها عامل طاهر بن عبد الله بن طاهر في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله خوفا من أن يفتتن بها الناس.
803- قالوا: وكان موسى الهادى لما صار إلى الرى أتى قزوين، فأمر ببناء مدينة بازائها.
وهي تعرف بمدينة موسى.
وابتاع أرضا تدعى رستما باذ فوقفها على مصالح المدينة.
وكان عمر الرومي مولاه يتولاها، ثم تولاها بعده محمد بن عمرو.
وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك، وبها قوم من مواليه.
804- وحدثني محمد بن هارون الأصبهاني قال: مر الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان، واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته، وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القضبة. فصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة.
وكان القاسم ابن أمير المؤمنين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين، فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم، وكتبوا له عليها الاشرية، وصاروا مزارعين له. وهي اليوم من الضياع.
وكان القاقزان عشريا لأن أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد الإسلام، فألجأوه إلى القاسم أيضا على أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال. فصار أيضا في الضياع.
ولم تزل دستبى على قسميها بعضها من الرى وبعضها من همذان، إلى أن سعى رجل ممن بقزوين، من بني تميم، يقال له حنظلة بن خالد، يكنى أبا مالك، في أمرها حتى صيرت كلها إلى قزوين.
فسمعه رجل من أهل بلده يقول: كورتها وأنا أبو مالك. فقال: بل أفسدتها وأنت أبو هالك.
805- وحدثني المدائني وغيره أن الأكراد عاثوا وأفسدوا في أيام خروج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
فبعث الحجاج عمرو بن هانئ العبسي في أهل دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا.
ثم أمره بغزو الديلم، فغزاهم في اثني عشر ألفا، فيهم من بنى عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون، منهم: محمد بن سنان العجلي.
806- فحدثني عوف بن أحمد العبدي قال: حدثني أبو حنش العجلي، عن أبيه قال: أدركت رجلا من التميميين العجليين الذين وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قال: رأيت من موالى بنى عجل رجلا يزعم أنه صليبه (؟) فقلت: إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلا، فمن أين زعمت أنك صليبه (؟).
فقال: أخبرتني أمي بذلك. فقلت: هي مصدقة، هي أعلم بأبيك.
807- قالوا: وكان محمد بن سنان العجلي نزل قرية من قرى دستبى، ثم صار إلى قزوين فبنى دارا في ربضها.
فعذله أهل الثغر وقالوا: عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن، إن نالك العدو بسوء.
فلم يلتفت إلى قولهم.
فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة، ثم انتقل الناس بعد فبنوا حتى تم ربض المدينة.
808- قالوا: وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم في خلافة المأمون، وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الأفشين الجبال.
ففتح حصونا منها اقليسم، صالح أهله على اتاوة.
ومنها بومج فتحه عنوة، ثم صالح أهله على اتاوة.
ومنها الابلام، ومنها انداق، في حصون أخر.
وأغزى الأفشين غير أبى دلف، ففتح أيضا من الديلم حصونا.
ولما كانت سنة (253) وجه أمير المؤمنين المعتز بالله موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان.
وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي.
فغزا الديلم وأوغل في بلادهم، وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته.
809- وأخبرني رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل إصبهان، وأن الشاعر إنما قال:
ألم تعلما أنى براوند مفرد

810- وحدثني عبد الله بن صالح العجلي قال: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الذي وجهه إلى الديلم.
فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا يخالطون غيرهم.
فإنهم على ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه.
وكانا يشربان عند قبره، فإذا بلغته الكأس هرقاها على قبره وبكيا. ثم إن الثاني مات، فدفنه الباقي إلى جانبه.
وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ثم يصب على القبر الذي يليه ثم على الآخر ويكبى، فأنشأ ذات يوم يقول:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما ** أجدكما ما تقضيان كراكما

ألم تعلما أنى بقزوين مفرد ** ومالى فيها من خليل سواكما

مقيما على قبريكما لست بارحا ** طوال الليالى أو يجيب صداكما

سأبكيكما طول الحياة وما الذي ** يرد على ذي لوعة أن بكاكما

ثم لم يلبث أن مات، فدفن عند صاحبيه، فقبورهم تعرف بقبور الندماء.